لا تكاد تفتح مصحفاً من المصاحف المطبوعة والمخطوطة عبر العصور إلا وتجده مريحاً للنفس وقرّة عينٍ للناظرين، وسرّ جماليّته لا تتعلّق بنوع الخطّ وجودته وحجمه فقط، ولكن لها علاقة بالإطار الذي احتوى الكتابة، وما تشمله الصفحة من أشكال هندسيّة في غاية الروعة تنفيذاً وتناسقاً لونيّاً، وهو ما يُعرف بالزخرفة العربيّة.
إن الزخرفة العربية والمعروف قديماً باسم "الرقش" هو فن عربي أصيل، يتعلّق بصناعة نماذج لتزيين المنحوتات الجداريّة والأرضيّات والأوراق والمخطوطات، وتتّسم بالتعقيد الشديد؛ لأنها عبارةٌ عن زخارف متداخلة ومتقاطعة تمثل بمجموعها أشكالا هندسية وزهوراً وأوراقاً وثماراً.
وهذا الفن ظهر نتيجة امتزاج الحضارة العربية وتطورها في العصر الإسلامي الذهبي مع الشعوب والحضارات الأخرى، نلمس ذلك جليّاً خصوصاً في العصور العباسيّة والعثمانيّة، وبرع الأندلسيون في تنفيذه وتطويره واستخدامه على نحوٍ يبعث في النفس الراحة والهدوء والاطمئنان لا سيما في المساجد والقصور.
وقد تمّ تسمية هذا الفن الزخرفي الإسلامي في أوروبا باسم أرابسك (Arabesque) بالفرنسية، أما اللغة الأسبانية فسُمّي بـ (Atairique) أي التوريق.
ولما كان التذهيب والزخرفة جزءٌ لا يتجزّأ من مشروع "مصحف قطر" والتي أشرفت عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة القطريّة، كان من الضرورة أن يتمّ تنفيذ هذا الجزء من المشروع بشكلٍ يتناغم مع الروح العربيّة الشرقيّة الأصيلة، ويتناسب مع جماليّة الخط العربي المستخدم في المصحف الشريف.
من هنا، قرّرت اللجنة المختصّة وفي اجتماعها الرابع التباحث حول أفضل السبل لاختيار الزخارف المناسبة للمصحف –خصوصاً في صفحاته الأولى والأخيرة والأطر وفواصل الآيات-، وتقرّر عقد مسابقة بالتوازي مع مسابقة الخطّ تتعلّق بفنون التذهيب والزخرفة الإسلاميّ.
ومن الطبيعي أن يقع اختيار أرض المسابقة في تركيا؛ وذلك لبراعتهم الفائقة في التذهيب، وابتكار الأشكال الجديدة، وحفاظهم على هذا التراث الغني، والكل يشهد بتفوّقهم على أقرانهم في هذا المجال.
لقد كانت مسابقةً مغلقة، تم فيها رصد مكافأة ثلاثة آلاف دولار لكل مزخرف، وتم تكليف ثلاثة أشخاص بهذا العمل وفق شروط وضوابط فنية، وكان موضوع المسابقة يشمل أعمال الزخرفة صفحة سورة الفاتحة وبداية سورة البقرة، ووضع تصوّر خاص بالإطارات ومربع اسم السورة والأجزاء، وصفحات بداية ونهاية المصحف وغير ذلك، فضلاً عن غلاف المصحف والكعب.
وفي غرّة محرّم 1428م الموافق 20 يناير 2007م، وتزامناً مع ذكر الفائزين في مسابقة قطر لخط المصحف الشريف، تم اعتماد أفضل التصاميم الزخرفيّة والتي أعدّها ثلاثة من أخصائيي التذهيب والزخرفة لاستخدامها في الطباعة والتجليد لاحقا.